ضرب الأمثال

نشر في 01-06-2009
آخر تحديث 01-06-2009 | 00:00
 د. حسن حنفي من أساليب التعبير في القرآن الكريم كالقصة ضرب الأمثال، فالمثل نوع من التشبيه الذي هو نوع من المجاز في ثقافة عربية تقوم على أساليب البلاغة وفنون القول، والمجاز في القرآن، درسه علماء أصول الفقه والتفسير والقرآن والبلاغة.

وقد ذكر لفظ «مثل» في القرآن بمعنى المثل بالكامل، تشبيه شيء بحكاية ثمانين مرة، وستا وثمانين مرة أخرى كمجرد تشبيه بسيط، تشبيه شيء بشيء. فإذا أخذنا التشبيه المركب لضرب الأمثال لوجدنا أن القرآن يقصده مع الاعتراف بحدوده. فالمثل لا يطابق الممثول مطابقة تامة ولا حتى المترادفات في اللغة. لذلك يظل المثل الأعلى لله وحده «وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»، وقد استعملت الأمثال من قبل في التوراة والإنجيل، فمن يحمل التوراة ولا يعمل بها كالحمار يحمل أسفارا «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا»، كما ضرب الإنجيل مثلا للمسيح فلم يؤمن به قومه «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ». أنعم عليه الله وجعله مثلا لبني إسرائيل «إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ». وضرب القرآن مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط «ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ»، وضرب مثل للذين آمنوا امرأة فرعون «وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ». فضرب الأمثال في التوراة والإنجيل «ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ».

والقرآن مملوء بالأمثال من كل نوع «وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ»، والغاية أن يستمع له الناس حتى يتدبروا معناه «يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ» ومع ذلك لا يغني ضرب المثل عن هلاك الأولين «فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ». ويخضع المثل الذي يأتي به الآخرون لتفسيرات عدة تتفاضل فيما بينها «وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا». ومن يكذب بالمثل فإنه ينال جزاء السوء «بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ». ومن يكفر بالله يكفر بالمثل حتى يجد عذرا لعدم الإيمان «وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً».

لذلك يضرب الله الأمثال للناس «كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ»، وذلك من أجل تذكر المعنى وعدم نسيانه «وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»، ولا يحتاج الإنسان أن يضرب المثل لله لأن الإنسان لا يعلم والله يعلم ولا يحتاج الإنسان أن يفهم الله ويشرح له «فَلا تَضْرِبُوا لِلهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ»، فإذا ضرب أحد الأمثال لله فإنه يضل «انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً».

ويمكن تصنيف الأمثال في البيئة الصحراوية إلى سبعة أنواع مستمدة منها: الأول النبات والماء والزراعة «مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ». ولا فرق بين جنة الدنيا وجنة الآخرة، «وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ». ومثل الجنة التى وعد بها المتقون، جنة تجري من تحتها الأنهار، أكلها دائم وظلها وافر، جنة بها أنهار ومن ماء غير آسن. والكلمة الطيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. والكلمة الخبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ليس لها من قرار. والحياة الدنيا كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فيصبح مصفرا ثم يكون حطاما. وهى صورة الجفاف في الصحراء، والحياة الدنيا كماء نزل من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها فرحون بها أتاها أمر الله فأصبحت حصيدا. ومثل العمل السيئ كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا أي نبات سطحي على صخر يجرفه أقل ماء.

والثاني الريح التي تشتد بالرماد فتذهبه مثل أعمال الكفار التي لا تصدر عن شيء ولا تنتهي إلى شيء وليس كالأرض الخضراء التي ينبت فيها الزرع.

والثالث الحيوان والحشرات في الصحراء، فمن يخلد إلى الأرض ويتبع هواه مثله مثل الكلب أن يُحمل عليه يلهث أو يترك يلهث، فهو لاهث في كل الحالات، ومن يحمل التوراة ولا يعمل بها كالحمار يحمل أسفارا، ومثل الذين يتخذون من دون الله أولياء مثل العنكبوت الذي يعيش في أوهن البيوت، ولا يستحي الله أن يضرب مثلا بالبعوضة أقل أو أكثر، فالمهم الدلالة وليس الدال.

والرابع الوعي الإنساني اليقظ عن طريق الحواس، السمع والبصر، فمثل الكافر كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء. هو كالأعمى والأصم بعكس المؤمن البصير والسميع، ولا يستوي رجلان الأول أبكم لا يقدر على شيء وهو عالة على مولاه لا يأت بخير كالآلة الصماء والآخر يأمر بالعدل وله وعي مستقل.

والخامس النور والظلمات، النهار والليل في الصحراء حيث لا نور إلا النار، فالمؤمن له نار يبصر بها، وصدق الإيمان شرط أن تتحول النار إلى نور ولا يطفئها الله. ونور الله كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة، لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور على نور، يهدي الله لنوره من يشاء.

والسادس القرية الآمنة المطمئنة التي يأتيها رزقها رغدا من كل مكان، فلما كفرت ذاقت عذاب الجوع والخوف جزاء على أعمالهم، والقرية الظالمة لم تصدق بالمرسلين، الأول فالثاني فالثالث. ولم تسمع لمن أتى من بعيد. وهو مثل تاريخي.

والسابع مثل آدم خلقه من تراب ثم قيل له كن فكان، ومثل المسيح الذي خلق على نحو آدم ولكن على نحو أسهل، فآدم بلا أب ولا أم، والمسيح بلا أب، وهو مثل كوني.

وضرب الأمثال إذن وسيلة لإفهام الدلالات وتبسيطها وتحويلها من مستوى النظر إلى مستوى الشواهد الحسية طبقا لقواعد التشبيه والمجاز. وقد يكون التماثل قاعدة عامة في الكون، تماثل كل شيء مع كل شيء فيما سماه الشيعة «علم الميزان».

* كاتب ومفكر مصري

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top