وجهة نظر: جزء من المشكلة وجزء من الحل!

نشر في 31-01-2008
آخر تحديث 31-01-2008 | 00:00
No Image Caption
 حسين العويد لم يعد هناك مبرر للتساؤل عما اذا كانت الاقتصادات الخليجية ستتأثر بما يمر به الاقتصاد الاميركي من تباطؤ، فقد كان هذا التأثير واضحا في اكثر من مجال، وكانت عوارضه ظاهرة بوضوح فيما مرت به الاسواق المالية في المنطقة. فلم يعد السؤال الآن هو: هل اصابتنا العدوى أم لا، او السؤال عن الوقاية من المرض، بقدر ما هو تساؤل عن الكيفية التي يمكن لدول المنطقة ان تحتوي بها تلك العدوى، والكيفية التي ستتعامل بها مع تداعياتها السلبية؟

فالواضح الآن، ان الشكوى التي يئن بها الاقتصاد الاميركي حاليا، تتداعى لها سائر الاقتصادات بالسهر والحمى، فبعضها يئن تحت وطأة الانخفاض الحاد في اسعار صرف الدولار المرتبط كاثوليكيا بالعملات الوطنية، والبعض يئن تحت الخوف من تراجع الانفاق الاستهلاكي في الاسواق الاميركية، التي تشكل اكثر من نصف اسواق التصدير العالمية. والدول المنتجة للنفط تخشى هبوط اسعار النفط، اذا قررت الولايات المتحدة تخفيض حجم فاتورتها النفطية، التي تعد الاكبر بين الدول المستهلكة للنفط، كذلك فإن القطاع المصرفي الذي يرتبط بعضه ببعض بشبكة معقدة من المصالح، سيجد نفسه في المعمعة، فيما لو لم يتم العثور على مخرج لأزمة الرهونات العقارية التي هزت اركان مؤسسات مالية راسخة في الولايات المتحدة.

اذن، نحن امام ازمة تبدو في ظاهرها ازمة وطنية خاصة باداء الاقتصاد الاميركي، لكنها في العمق ازمة عالمية بكل ما في الكلمة من معنى، لذلك فإن المشاركة في الحل ليست تفضلا من احد، بل هي في جوهرها دفاع عن النفس.

ويبدو ان الولايات المتحدة تدرك هذه الحقيقة جيدا، وتعلم ان دولا اخرى ستتخذ اجراءات من جانبها، بغرض تحفيز الاقتصاد الاميركي وإنعاش حركته من جديد، وقد بدا هذا واضحا في اقدام مؤسسات استثمارية خليجية كبيرة، على ضخ اموال سائلة في بعض البنوك الاميركية التي عانت من ازمة الرهن العقاري، صحيح ان هذه الاموال لم تكن تبرعا من المؤسسات المالية الخليجية، بل مثّلت فرصة استثمارية بعيدة النظر، الا انها جاءت بمنزلة خطوة استباقية لمنع ارتدادات وتوابع زلزال الرهن العقاري من ضرب الاسواق الوطنية، كذلك فإن الاسواق الخليجية ارتضت فيما يبدو ان تفاقم من ازمة التضخم التي تعانيها اسواقها حاليا، من خلال خفض سعر الفائدة، أسوة بما فعلته الادارة الاميركية، حتى لا تقدم على فك ارتباط عملاتها بالدولار، الذي كان يمكن ان يسبب مزيدا من الضعف للعملة الاميركية.

بل ان بعض الدول الخليجية قبلت ان تتحمل تكلفة مالية مباشرة، لمعالجة آثار خفض سعر الفائدة، من خلال اجراءات غير نقدية، مثل الدعم المباشر وتقديم اعانات اجتماعية وتخفيض الرسوم المحلية.

وعلى خلاف ما يردده البعض، فإن محاولة الهروب من الاستحقاق الذي يتعين على دول المنطقة دفعه لإخراج الاقتصاد الاميركي من كبوته، هي محاولة فاشلة وسترتد آثارها على دول المنطقة نفسها، فمن حيث الحجم فإن اقتصادات دول المنطقة مهما كبُرت فهي اصغر من ان تؤثر في تركيبة المعادلة الاقتصادية العالمية، فهي ليست بحجم اقتصاد الصين التي تعد اكبر دائن للولايات المتحدة، على الرغم من الخلافات التاريخية بينهما، والتباينات السياسية والايديولوجية بين البلدين، وهي ليست بحجم الاقتصاد الياباني الذي يلجأ الى معالجة ازماته الاقتصادية من خلال حقن الاقتصاد الاميركي بالاموال، التي يشتري بها سندات الخزينة الاميركية، تحفيزا للاقتصاد الاميركي الذي يعد اكبر مستهلك للانتاج الصناعي الياباني، بل نحن لسنا اكبر من الاقتصاد الهندي الذي يعبر بسرعة من مرحلة التخلف الى مرحلة التقدم، بخطوات نمو متسارعة معتمدة بالاساس على شراكة مع الولايات المتحدة.

ان اقتصادات دول الخليج التي استفادت خلال مرحلة الانتعاش من الاقتصادات العالمية، سواء على شكل تحسن في سعر النفط، أم من خلال التدفقات الاستثمارية، أم على شكل تحسن في عوائد السياحة والقطاعات الخدمية، ستكون من بين الاقتصادات التي ستدفع ضريبة التباطؤ في الاقتصاد الاميركي، لكن هذه الضريبة ستكون في حدها الادنى، اذا احسنّا التعامل مع معطيات الازمة وفهمنا ابعادها وحددنا دورنا فيها، حتى نخرج بأقل الخسائر في المدى القصير ونجني ثمار معالجتها على المدى الطويل.

*خبير اقتصادي في الإمارات

back to top