لماذا نحن متخلفون؟

نشر في 25-10-2007
آخر تحديث 25-10-2007 | 00:00
 د. عبدالمطلب فيصل البلام

بينما نعيش في زمن تعرف الديموقراطية بأنها حكم الأغلبية لحماية حقوق الأقلية... وجدناها عندنا حالتين: إما حكم الأغلبية لإنهاء حريات الأقلية، وإما حكم الأقلية رغم أنف الأغلبية.

خرج من المسجد ممسكاً بيد ولده الصغير متجهاً مشياً على الأقدام نحو منزله القريب. وبينما كان على ذلك التفت إليه ولده يسأله «أبي... هل صحيح ما قاله إمام مسجدنا عن اليهود والنصارى؟ هل صحيح أنهم يحيكون المؤامرات من حولنا وأنهم سبب الانحطاط والتدهور والتخلف الحضاري الذي نعيشه؟

أصحيحٌ أن أفكارهم التي نستوردها هي سبب تفككنا وانقسامنا وسبب ابتعادنا عن ديننا الحنيف؟»

- تنهد بصوت مسموع لكنه لم يجبه، حتى يهيئ لولده أنه يوافقه ما يقول. فعاد يكلمه بكل حماس «أبي... إن كان ذلك صحيحا فلماذا لا يصحو العرب والمسلمون من سباتهم؟ لماذا لا يعلن الجهاد وتحمل البنادق والسيوف لتقطع أعناق وأيادي هؤلاء الكفار ويشرد شملهم وتسبى نساءهم ويوقفون عند حدودهم؟».

- أغمض عينه يأساً، ثم أخذ نفساً عميقاً، وقال له «يا ولدي... دعني أبوح لك عن الأسباب الحقيقية للانحطاط والتخلف الحضاري الذي نعيشه والتي لا يجرؤ أحد ولا حتى أبي أن يذكرها لنا».

لقد تخلفنا حضارياً يا ولدي لأننا... بينـما نعيش في زمن تُعلم الشعوب أبناءها الحب ونبذ الكراهية بشتى أنواعها... علمناكم نحن كره وبغض من لا يؤمن بديننا، سالبين منكم أبسط مفاهيم التسامح الفكري واحترام المختلف.

وبينما نعيش في زمن تحترم فيه الشعوب حرية الرأي واختلافه... عزمنا نحن على قطع الألسن وشل الأقلام ومحو العقول التي تخالف مبادئ وأسس شرائعنا ودساتيرنا.

وبينما نعيش في زمن تشارك وتكمل المرأة الرجل بناء الحضارات... ابتدعنا نحن شل العنصر الأنثوي، فأضحينا جسداً مصاباً بالشلل النصفي.

وبينما نعيش في زمن تُعرف الديموقراطية بأنها حكم الأغلبية لحماية حقوق الأقـلية... وجدناها عندنا حالتين: إما حكم الأغلبية لإنهاء حريات الأقلية، وإما حكم الأقلية رغم أنف الأغلبية.

وبينما نعيش في زمن يتفاخر فيه المرء بالعلم وحب الناس والأخلاق... تفاخرنا نحن بالأصول والأنساب والفخوذ والبطون، ومدى تبرؤنا ممن لا يؤمن بمذاهبنا.

وبينما نعيش في زمن تجاهد فيه البشرية لحمل رايات السلام... حملنا نحن رايات الحرب والثأر والقتل، ونعتنا المنادين إلى السلام بالجبناء والعملاء والمنافقين.

وبينما نعيش في زمن تؤمن فيه المجتمعات بتعدد المذاهب والأديان... أبينا ألا نطبق سوى شريعة ومذهب الجد والأب، ونعتنا مخالفينا بالفئات الضالة القابلة للاستئصال.

فلا تتوهم يا ولدي مما يحدثنا به عن نظريات المؤامرات وتأثيرات الاستعمار، ولا تلتفت إليه عندما يقول إننا مبتلون بسبب ابتعادنا عن ديننا القويم، فهناك يا ولدي شعوب كافرة... متحررة اجتماعياً... غير مؤمنة بما نعتقد، بالأمس قد استعمرت وتنكلّت، واليوم تصول وتحوم في سماء التقدم والازدهار الحضاري.

- تحمس ولده لكلماته، فترك يده وهَمَّ يجري مسرعاً نحو المنزل. هنا استوقفه منادياً متسائلاً عن سبب جريه السريع. فرد عليه موضحاً أنه ذاهب لجده ليتلو عليه ما أباحه إليه. فهم الأب بكل كيانه جارياً نحو ولده حتى أمسكه من كتفه وشل حركته كاملاً، ثم قال له «يا ولدي... أرجوك انتظر... لا تحدث أبي عما بُحت به لك! فوالله أخاف أن يراني مخالفاً لآبائه وأجداده، فيغضب مني هو وعمي، فيتبرأ منا ويعتزلنا أهلنا وعشيرتنا».

- فرد عليه ولده ضاحكاً «أبي... ألا تعتقد أننا ما زلنا عبيداً لآبائنا وأجدادنا... عبيداً لأخوالنا وأعمامنا... عبيداً لتقاليدنا وأعرافنا... وهذا هو أهم سبب من أسباب التخلف الحضاري التي ذكرت بعضها قبل قليل»!

* أستاذ بكلية الهندسة - جامعة الكويت

back to top