زرقاء اليمامة: الاختلاف السياسي

نشر في 25-02-2008
آخر تحديث 25-02-2008 | 00:00
أخطر ما يواجه الاختلاف كحالة معيشة هو التعصب الذي هو حالة وعي بالآخر وموقف من الآخر يقومان على تبنٍ أعمى لفكرة ما تصل إلى درجة اليقين المطلق، وينظر على أساسها إلى الآخر المختلف على أنه انزياح عن جادة الصواب أو إصدار حكم/قيمة سلبية يقود إلى نفي الآخر بكل أشكال النفي.
 الجوهرة القويضي

التناقض الذي نتعايش معه اليوم يجعلنا نقر بالاختلاف من دون أن ننفي أن القوى النابذة للاختلاف التي مازالت تكابر وتقاوم ما أمكنها من مقاومة محاولة أن تمسح إشارة النصر الذي يبرزه الاختلاف على مجموعة من الصعد، أبرزها السلطة وليس آخرها القوى الأصولية، ولا مجموعة القيم السائدة!

وصورة التناقض الفاعل اليوم هي صورة واقع يعج بالاختلاف، ومجتمع ليس من سماته الجوهرية أن نختلف في كل شيء، ولكن أكبر من ذلك بكثير، فظهوره تجديد للحياة لأن رفض الاختلاف يقود إلى رفض التسامح، وصورة الاختلاف صورة من صور حقوق الإنسان، وإن كل تضاد وتناقض وصراع هو اختلاف بالضرورة، ولكن ليس كل اختلاف هو بالضرورة تناقض وتضاد وصراع.

كما يصل الاختلاف إلى حد التناقض إذا ما وصلت المصالح بين البشر إلى حد كبير من الاختلاف، ويصل الاختلاف إلى حد الصراع إذا ما قررت جهة من جهتي التناقض أو كليهما حسم التناقض واقعياً، فيكون حل الصراع عن طريق الغلبة، ولا يصل التناقض إلى حد الصراع إلا إذا تحول إلى واقع موعّىً به.

وأخطر ما يواجه الاختلاف كحالة معيشة هو التعصب الذي هو حالة وعي بالآخر وموقف من الآخر يقومان على تبنٍ أعمى لفكرة ما تصل إلى درجة اليقين المطلق، وينظر على أساسها إلى الآخر المختلف على أنه انزياح عن جادة الصواب أو إصدار حكم/ قيمة سلبية يقود إلى نفي الآخر بكل أشكال النفي.

فالاختلاف الذي يأخذ صيغة أيديولوجية نافية لحق الآخر هو التعصب في حقيقته، والاختلاف الذي يأخذ الصيغة التعصبية، أي حين تتحول العصبية - أي عصبية - إلى تعصب، يغدو الحقل الذي ينفي فيه المتعصبون بعضهم بعضاً نفياً يصل إلى حد التناحر.

وهذا يعني أن كل عصبية مهما كانت: قبلية، دينية، سياسية، طبقية، قومية، مناطقية، عرقية، حين تصاغ في أيديولوجيا نافية للآخر هي عصبية تعصبية.

وأهم مظهر من مظاهر الأيديولوجية التعصبية، سلوكاً أو فكراً، غياب أي منطق عقلاني في التعامل مع الآخر، وبالتالي غياب أي مظهر من مظاهر التسامح مع المختلفين، بل قل غياب التسامح هو غياب للعقل بالضرورة.

يقوم مفهوم التسامح على الحق في الاختلاف السياسي والحق في التعبير عنه وتعيين التسامح هنا لا يكون إلا في حقل الحوار والتعبير السلمي عن الاختلاف.

والكل يعرف أن المفهوم البديل عن مفهوم الحوار المعبر عن التسامح هو مفهوم الإقصاء والنبذ والنفي... بالطبع في مجتمع طبيعي بلا حروب.

فالحق في الكرامة الإنسانية، الحق في وعي الإنسان بذاته على أنه غاية وقيمة بحد ذاتها، إنها، أي الكرامة، ذات ارتباط شديد بالشعور بالحرية، وبالتالي فالحق في الكرامة هو بالضرورة حق في الحرية، والحق في الحياة حق في الحياة الكريمة الحرة.

وفي النهاية فالاختلاف السياسي هو تعبير عن اختلاف المصالح أو عن الاختلاف في التعبير عن المصالح وعن حرية الخيارات السياسية تجاه مشكلات المجتمع والسلطة، وعلامة الصحة في المجتمع المعاصر هو الاختلاف السياسي، فبوجوده سيكون عالمنا الديموقراطي أجمل. وسيكون القادم أجمل.

وقفة شفافة:

يا فراشة رقيقة متسربلة بحبي لا تتألمي، يا عذبتي ياأيتها الوردة المنتشية بالنضال ضد الشوك أراكِ شعاعاً يستنير دربي... إنكِ تمنحيني الدفء والنور، إنكِ ظلال في المسافة ممتد بين نورك وبين تمتمة شفاهك بالكلمات، النقيض من فكرك الصاخب بالمعاني الجميلة، أيها الألم ابتعد عنها فعذبتي رقيقة لا تحتمل.

back to top