فرض منع الاختلاط... لماذا؟!! 1- 2

نشر في 08-11-2007
آخر تحديث 08-11-2007 | 00:00
 د. عبدالمطلب فيصل البلام

هل يا ترى قد أُوحي سرياً للجنة التعليمية البرلمانية في مجلس الأمة من «قبل مخلوقات كونية متطورة» بأن فصل التعليم المشترك سيؤدي بالمجتمع الكويتي إلى غزو الفضاء، واكتشاف حلول للأمراض المستعصية، وصناعة روبوتات حاسوبية خارقة؟!

لا... لم تدشن عملها بزيادة عدد المختبرات العلمية والمكتبات في الجامعات والمدارس، ولا بإصدار مشروع قانون لزيادة دعم الدولة للابحاث النظرية والعلمية، ولا بزيادة الإنفاق على التعليم والمعلم. لا... ولا بمحاولة عولمة مناهج التدريس. ولا بإصدار قانون ينشئ مراكز لتشجيع الإبداع والاختراع بين طلبة المدارس، أو بتقديم مشروع قانون يوفر حاسوباً لكل فرد منهم. لا لم تفعل كل هذه الأشياء التي اعتقدنا سنوات أنها ما يحتاج إليه قطاع التعليم في الكويت لتخريج أجيال تبتكر وتخترع وتصنع وتنمي، ولكن... دشنت اللجنة التعليمية البرلمانية في مجلس الأمة الكويتي عملها بالسعي الحثيث إلى منع الاختلاط بالمدارس الخاصة!

سألت نفسي: هل يا ترى قد أُوحي سرياً لهذه اللجنة من «قبل مخلوقات كونية متطورة» بأن فصل التعليم المشترك سيؤدي بالمجتمع الكويتي إلى غزو الفضاء، واكتشاف حلول للأمراض المستعصية، وصناعة روبوتات حاسوبية خارقة؟! حقاً، فأنا لم أسمع من قبل تلك العلاقة الطردية ما بين منع الاختلاط والتطور، لكن لا يمكن للجنة التعليمية البرلمانية أن تقرر شيئاً عبثاً... لذلك قررت أن أستقل مركبة زمنية، مصنوعة طبعاً بأحد مختبرات المعهد الديني بالكويت، تنقلني بين الماضي والحاضر علّني أجد المكان والزمان الذي تم به إثبات هذه العلاقة الطردية.

في البداية استقللت هذه المركبة واتجهت إلى برلين سنة 1920 لأقابل العالم الفيزيائي أينشتاين. وما إن واجهته حتى سألته: يا سيد أينشتاين... هل صحيح أنك ابتكرت واكتشفت النظرية النسبية لأنك ترعرت في نظام تعليمي يفصل المرأة عن الرجل؟ فرد علي ضاحكاً: يا أبله، كيف لي أن أصل إلى هذه النظرية إن لم أكن قد اختلطت وتشعبت بالفكر الأنثوي الذي يغاير فكري، وجعلني أرى النسبية حتى بطرق التفكير. إن التفكير بالمنظور الذكوري غير كاف للوصول إلى الصورة الكلية لأسرار الحياة. نحن المبدعون بحاجة إلى النقاش «الأنثوذكوري» لتكتمل عندنا الصورة. ثم تركني يناقش النظرية النسبية مع مجموعة من النسوة المهتمات بالفيزياء.

لم أفهم كلامه الـ«علميفلسفي»، فقررت الذهاب إلى فيينا سنة 1910 لأقابل «سيغموند فرويد»، داهية علم النفس، وقلت له إن بعض مشرعي القانون في بلادي يفكرون في منع الاختلاط بين الجنسين في المدارس الخاصة لأنهم ربما يرون الاختلاط عائقاً أمام تطوير العملية التعليمية هناك، فهل تنصح بذلك؟ فقال هل ينتمي هؤلاء إلى نفس فصيل منافسي الأول لتفسير الأحلام الشيخ كالح المنهام؟ فقلت نعم بعضهم، فقال أجل، أجل... أنا أعتقد أن أصدقاءك هؤلاء لديهم عقدة نحو الجنس منذ الصغر تدفعهم إلى اختصار الأخلاق والتنمية بتحصين الفروج. هم يتوهمون أنهم يستطيعون التحكم في سلوك مراهقين ترعرعوا في بيئة أسرية مريضة نفسياً. هيهات... لن يتغير سلوك مراهقيكم إلا إذا غيرتم، في بيوتكم ومنذ الصغر، طرق تربيتكم لهم. عندما تغيرون نظرتكم السطحية لعلاقة المرأة بالرجل. حينها سيجدونكم قدوة وتكون عندهم المناعة الذاتية ضد سلبيات أي نظام تعليمي أو اجتماعي. ثم تركني ليحاضر عن الـ«سايكوجنسية» لمجموعة من الآباء والأمهات.

أحسست أن إجابته فيها الكثير من الـ«جنسوفرودية». فقررت العودة إلى الحاضر، إلى اليابان حيث يوجد هناك أنظمة تربوية وتعليمية أدت إلى التنمية البشرية والنهضة الصناعية التي نعرفها. وقابلت هناك وزير التعليم الياباني «بوينمي أبيوكي»، فسألته: هل صحيح يا حضرة الوزير أن بلادكم خرّجت أجيالاً تصنع وتبتكر وتخترع بفضل تطبيق منع الاختلاط بين الجنسين في صروحكم التعليمية؟ فنظر إليّ باستغراب وقال ما منع الاختلاط بين الجنسين؟ من أين أتيت بهذا المصطلح؟ فقلت له: من شبه جزيرة الرمال، فهز رأسه يميناً ويساراً، وانصرف عني ليناقش مستشارته عن سبل تزويد كل طالب ياباني بـ«آي بود» يحوي معلومات المناهج التي يدرسها كلها.

* أستاذ بكلية الهندسة - جامعة الكويت

back to top