المعذرة... يا أيها البهرة

نشر في 18-10-2007
آخر تحديث 18-10-2007 | 00:00
 د. عبدالمطلب فيصل البلام

لدينا أغلبية تتحكم بالقرارات الحاسمة في البلاد، وتسيرها حسب هوى روحاني لا منطق عقلاني. فهي تستخدم مبادئ الديموقراطية العادلة كوسيلة لفرض هيمنتها الفكرية والعقائدية على بقية طوائف المجتمع المختلفة عنها. غايتها العظمى هي جعل أفراد المجتمع نسخا مكررة لأصل واحد، يسهل السيطرة عليهم كما يسيطر رعاة الأغنام على قطعانهم.

إلى عامة أفراد طائفة البهرة الأشراف المسالمين الطيبين القاطنين في بلدي الكويت، الذين أكلوا من نعمتها وساهموا في بنائها وتطورها من خلال تجاراتهم البسيطة ومهنهم الشريفة.

تحية طيبة وبعد...

بروح يملؤها الأسى والخجل، نلتمس منكم العذر والمسامحة على ما بدر من أغلبية أعضاء المجلس البلدي وبعض أعضاء مجلس الأمة تجاه طائفتكم الموقرة التي طالما خدمت بلدي وساهمت مع بقية الطوائف الوافدة في رقيه وازدهاره. واعلموا يا اخوتي بأن وطني الكويت قد اُبتلي بأغلبية لا تؤمن بالاختلاف الفكري الديني، بل تراه عاملاً سلبياً يؤدي إلى التفرقة والتفكك الاجتماعى، على عكس الدول المتقدمة حضارياً التي تراه عاملاً إيجابياً يؤدي إلى تنويع العطاءات والإنتاجات والأفكار في المجتمع.

إنها أغلبية تعيش بيننا في القرن الواحد والعشرين، لكن عقولهم أنتجها نظام تعليمي اجتماعي إعلامي متخلف يربي المجتمع على الخوف من الغريب ويزرع في عقله الكراهية والعنصرية تجاه المختلف. نظام عقائدي يوهم الإنسان بإمكانية الوصول إلى المدينة الفاضلة حيث إن أفراد المجتمع جميعهم متشابهون فكرياً وعقائدياً، والخير سائد والشر معدوم.

واعلموا يا اخوتي البهرة أنكم لم تكونوا أول الأقليات التي تحارب عقائدياً من قبل هذه الأغلبية، فقد اكتوى من نيران عنصريتهم اخوان لنا في الإنسانية؛ صوفيون وإسماعيليون وسيخ وهندوس وبوذيون ومسيحيون. نرجو أن تعذرونا على فعلتهم وأن تتأكدوا أن هؤلاء لا يمثلون أطياف المجتمع الكويتي كله، بل هناك الكثير من بيننا ممن صُدموا مثلكم من موقفهم وفوجئوا من حجم العنصرية الدينية وانعدام التسامح الفكري المستشري في عقولهم.

وكونوا متأكدين من أننا لا نوافق على ما بَدر من بعضهم من استهزاء بعقيدتكم وتحقير لطريقتكم الخاصة للاتصال بالخالق الواحد. واعلموا أن هذا الاستهزاء والتحقير ناتج عن جهل أغلبيتهم بأبسط معاني الديموقراطية التي يمارسونها وتنادي باحترام الأديان والأراء والأفكار. فنحن الكويتيون تربينا وتربى قبلنا آباؤنا وأجدادنا على احترام عقيدة الجار ومذهب الغريب وتقبل المختلف والتسامح مع رأيه وفكره. ولنا في مواد ونصوص دستورنا الذي أسسه أسلافنا أكبر دليل يؤكد على ذلك.

ولكن للأسف... لدينا أغلبية تتحكم بالقرارات الحاسمة في البلاد، وتسيرها حسب هوى روحاني لا منطق عقلاني. فهي تستخدم مبادئ الديموقراطية العادلة كوسيلة لفرض هيمنتها الفكرية والعقائدية على بقية طوائف المجتمع المختلفة عنها. غايتها العظمى هي جعل أفراد المجتمع نسخا مكررة لأصل واحد، يسهل السيطرة عليهم كما يسيطر رعاة الأغنام على قطعانهم. لذلك، تجدهم منهمكين جاهدين لطمس تراث وفكر الأقليات بحجة أنها شاذة عن تراث الأغلبية.

وأرجو ألا تلوموهم... فهم أغلبية ناشئة سياسياً عاجزة عن رؤية أهمية توفير سبل الراحة الجسدية والروحية لغير المواطن والذي يعتبر عادة إحدى القوى التي تدفع عجلة الحياة في هذه البلاد. فأداؤها الديموقراطي مركز على تلبية احتياجات المواطن الذي أوصلها الى المنصب الذي تتبوأه، بينما تتغاضى هي في المقابل عن احتياجات العمالة الوافدة. إن هذا الجهل السياسي أدى إلى دفع الكثير من اخواننا الوافدين ذوي العقول النيرة إلى هجرة البلد متجهين نحو أقطار أخرى مجاورة تلبي لهم ما عجزت عنه الكويت أن تلبيه. والمثير للسخرية أن هذه الأغلبية تدعو الحكومة إلى الدفع بقرارات تجعل الكويت مركزاً مالياً مرموقاً بين مثيلاتها من الأقطار الخليجية، ويحملونها المسؤولية في تأخر ذلك الهدف. كأنهم يتناسون أن قراراتهم العنصرية هي من أفقدت الكويت ذلك المركز الذي ينادون به.

بالنهاية يا اخواني في الإنسانية... أود أن أطمئنكم قائلاً إن مستقبل المجتمعات الإنسانية يميل نحو المجتمعات التي ترحب بالتعددية والاختلاف. وبالرغم من كون هؤلاء أغلبية في بلدنا، تأكدوا يا اخواني أنهم أقلية على مستوى أفراد المجتمع الإنساني المتحضر كافة. فالانفتاح الاقتصادي والمعلوماتي بين الأمم حتمي، وسيجعلهم يصطدمون بتيارات مبادئ العدالة الإنسانية المعاصرة. حينها... سيكون لهم خياران إما أن يتغيروا ويتأقلموا مع الواقع الجديد، وإما أن يظلوا كما هم، فتلفظهم تدريجياً المجتمعات الديموقراطية المعاصرة. فينقرضون فكرياً، ويهمشون تاريخياً. وأغلب الظن هذا ما سوف يحصل.

تقبلوا اعتذارنا بفائق الحب والاحترام.

أخوكم...

مواطن كويتي يحب التنوع والإختلاف الإجتماعي

*أستاذ بكلية الهندسة - جامعة الكويت

back to top