فرض منع الاختلاط... لماذا؟! 2- 2

نشر في 09-11-2007
آخر تحديث 09-11-2007 | 00:00
 د. عبدالمطلب فيصل البلام

شعرت بأن أحمد زويل قد تلوث بمادية الحضارة الغربية والعياذ بالله، فقررت أن أذهب إلى إحدى الدول العربية المجاورة التي تطبق قانون منع الاختلاط ليس فقط بمدارسها، بل أيضا في أماكن العمل، ثم سألت أحد المربين الأفاضل هناك عن مزايا التطبيق: نعم سيدي... لقد قل الزنا المعلن... لكن في المقابل زاد الشذوذ.

بعد إحساسي بأن اختلاط الوزير الياباني بمستشارته الأنثى قد أثر على أخلاقه، وهو ما دفعه إلى عدم الالتفات إليّ والرد على تساؤلي بشأن علاقة الاختلاط بالتطور، فقد قررت الاتجاه غرباً مستقلاً مركبتي الزمنية، المصنوعة طبعاً بأحد مختبرات المعهد الديني بالكويت، لتنقلني بين الماضي والحاضر علّني أجد المكان والزمان الذي تم به إثبات هذه العلاقة الطردية بين الاختلاط والتطور. وحط بي الرحال في واشنطن عاصمة الولايات المتحدة الأميركية، تلك الدولة التي تحوي على ما يقارب 75 جامعة من أصل أفضل 100 جامعة في العالم، ثم دخلت إحدى جلسات الكونغرس وقاطعتها قائلاً: يا معشر العم سام... نحن الكويتيين نريد أن نعرف هل نفصل الجنسين في العملية التعليمية أم نخلطهما؟ فالتفت أغلب أعضاء الكونغرس إلى بعضه، مستغربين جرأتي في طرح مثل هذا السؤال ثم نطق أحدهم وقال ألا تطبقون الديموقراطية؟ قلت بلى، فقال: ولماذا تريدون أن تكونوا شموليين في هذه المسألة؟!! الحل بسيط يا بني، وفروا المدارس المختلطة وغير المختلطة في البلاد على حد سواء، ودعوا الناس تختار ما تريده لأبنائهم. لا يوجد داع إلى إلغاء أحد الفكرين، ثم تركوني ليكملوا نقاشهم لإنشاء مرصد فلكي في كل مدرسة ثانوية في الولايات المتحدة الأميركية.

شعرت أنني حشرة صغيرة بين أبراج عالية، فقررت الذهاب إلى معهد كاليفورنيا التقني بكاليفورنيا في الولايات المتحدة، لأزور العالم «أحمد زويل»، لعله ينصفني بجواب يعيد لي كبريائي الذي حطمه أعضاء الكونغرس. دخلت عليه في مختبره وطرحت عليه السؤال التالي: هل كان منع الاختلاط بين فريق عملك سبباً لوصول الفريق إلى أهدافه العلمية، فقال لي: يا أخي... لا يوجد وقت لدي لأفكر في الجنس، باختصار أنا لا أختار أعضاء فريقي الذين يساعدوني في أبحاثي حسب الجنس، بل حسب العطاء والكفاءة. لدي فريق مختلط من طلاب وطالبات الدراسات العليا يتعاونون بعضهم مع بعض ويتشاركون في الأفكار والحلول، ثم تركني ليناقش

الـ«فيمتوثانية» مع إحدى معاوناته الشقراوات.

شعرت أن أحمد زويل قد تلوث بمادية الحضارة الغربية والعياذ بالله، فقررت أن أذهب إلى إحدى الدول العربية المجاورة التي تطبق قانون منع الاختلاط ليس فقط بمدارسها، بل أيضا في أماكن العمل، ثم سألت أحد المربين الأفاضل هناك: يا أستاذي... كيف دفع منع الاختلاط إلى زيادة الأخلاق الحميدة وقلة الفساد والفسق بين المراهقين في بلادكم، فقال: نعم سيدي... لقد قل الزنا المعلن... لكن في المقابل زاد الشذوذ. نعم لقد قلَّ متعاطو الغزل والحب العذري، ولكن زاد في المقابل عدد متعاطي الحشيش والكوكايين و«البتكس». نعم لقد قلَّ عندنا المتسكعون في دروب الغرام، ولكن زاد في المقابل عدد المتسكعين في الشوارع والمجمعات ومنتديات الإنترنت. نعم قلّ عندنا الاغتصاب المعلن للبالغات، ولكن زاد عندنا الاغتصاب الخفي للأطفال، ثم نظر بوجهي مستهزئاً وقال: يا لكم من حمقى نحن نريد أن نتخلص من هذا القانون المريض غير الطبيعي، وأنتم تريدون أن تستحدثوه؟!!

صمتَ قليلاً ثم أكمل كلامه قائلاً: يا صديقي إن قرار منع الاختلاط عندكم هو ضريبة تزاوج السياسة بالدين كالذي يحدث عندنا بالضبط، فبعض المشرعين المنقادين دينياً أو مذهبياً لا يهمه أن يكون عادلاً مع كل أفراد المجتمع المتنوعين فكرياً أصلاً. فهو لا يقرر حسب ميزان المصلحة والمضرة العامة للبلاد، بل على ميزان الخير والشر المستسقى من دينه أو مذهبه. ما يهم هو تنفيذ أحكام وشرائع دينه أو مذهبه حسب الطريقة التي لُقن بها، ومن ثم يفرضها على المجتمع فرضا قسرياً. لأن من يخالفه، حسب اعتقاده، قد ضل طريق الحق ووجب تصحيح وجهته في الحياة الدنيا، فبعض المشرعين المنقادين دينياً يتخذ الديموقراطية وسيلة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ضارباً بعرض الحائط آراء كل من يختلف معه في معنى المعروف وحدود المنكر.

خجلت من نفسي، فقررت العودة إلى بلدي الكويت، وأنا مازلت أشعر بالخجل والندم لسذاجتي حين صدقت أن لمنع الاختلاط علاقة طردية بالتقدم والنمو والازدهار.

* أستاذ بكلية الهندسة - جامعة الكويت

back to top