ما أتعس هؤلاء!!

نشر في 20-12-2007
آخر تحديث 20-12-2007 | 00:00
 د. عبدالمطلب فيصل البلام

إن الزواج ما هو إلا النقطة الفاصلة بين انتهاء فترة الأخذ وابتداء فترة العطاء، أو بالمعنى الصحيح هو الحد الفاصل بين انتهاء فترة الـ «أنا» وابتداء فترة الـ«نحن».

حقاً ما أتعس هؤلاء!! الذين يتزوّجون ليس لسبب إلا لتلميع صورهم الاجتماعية ولكي يسموا بالمتزوجين، هؤلاء هم العبيد الحقيقيون الذين استعبدتهم نظرات المجتمع وتقاليده، فهم غير مخيرين بل مسيرون بمطالب الناس حولهم.

ولا أتعس من هؤلاء إلا الذين تزوّجوا لأن حياتهم كانت مليئة بالملل، فاعتقدوا أن الزواج سيأتي لهم بالسعادة والمرح، ألا يعلم هؤلاء أن السعادة مصدرها داخلي في النفس، وأنه هيهات أن تأتي من خارج النفس طالما يجهل المرء كيفية تصنيعها من تلقاء نفسه.

ولا أتعس من هؤلاء كلهم، إلا الذين يتزوجون ليس لسبب إلا لأنهم بحاجة لإفراغ شهوتهم الجنسية، فما أن تتفرغ هذه الشهوة حتى يصطدموا بالواقع الكئيب.

كل هؤلاء للأسف تعساء وهم لا يعلمون ذلك، فالزواج ليس وسيلة للأخذ... بل للعطاء.

أكتب هذا بعد أن قرأت تقريراً من وزارة العدل الكويتية يفيد بأن %50 من زيجات 2006 قد انتهت بالطلاق. طلاقات أكاد أجزم بأن أغلبها كان سببه أفراداً يلجأون إلى الزواج ليأخذوا لا ليعطوا.

باختصار... يجب ألا يتزوج المرء إلا بعد أن يمتلئ أخذاً من هذه الدنيا، فليس هو بعد ذلك بحاجة إلى الأخذ، بل مهيأ للعطاء مما امتلأ به من أخذ، فلا يتزوج إلا بعد أن امتلأ حباً، و سعادةً، و علماً، و أماناً، ومالاً، واحتراما ممن حوله. فلا يكون له بعد ذلك هدفاً من الزواج إلا العطاء وبكل أنواعه.

فيعطي حناناً وحباً لأفراد أسرته من غير أن ينتظر عائداً مقابل هذا الحب، ويعطي أفراد أسرته الاحترام من غير أن ينتظر عائداً مقابل هذا الاحترام، ويعطي أماناً واستقراراً لأفراد أسرته من غير أن ينتظر عائداً مقابل هذا الأمان، ويعطي فرحاً مليئاً بالابتسامات والضحكات حتى تمتلئ كأس أسرته بالفرح والسعادة، ولا ينتظر من أحد أن يملأ كأسه تقديراً لذلك، ويعطي آذاناً صاغية يصب فيها مما يختبئ في نفوس أفراد أسرته من همٍّ وحزن من غير أن ينتظر أذناً يفرغ فيها كدره وضيمه، وفوق كل هذا، يجب أن يعطي أطفالا تتجدّد بهم الحياة، ومن ثم يعطي أطفاله ما وهبته الحياة من حكمة وموعظة، كل ذلك من غير أن يفرض عليهم اتباعها.

ليست هذه دعوة إلى المثالية ولا هي سذاجة تلقائية، بل هي إرشادات منطقية، فإذا أعطى طرفا الزيجة في نفس الوقت فإن كليهما سيكون آخذاً في الوقت نفسه. المشكلة تطفو عندما يتوقف أحد طرفي الزواج عن العطاء فهنا يتحقق عدم الاتزان فيفشل الزواج.

إن الزواج ما هو إلا النقطة الفاصلة بين انتهاء فترة الأخذ وابتداء فترة العطاء، أو بالمعنى الصحيح هو الحد الفاصل بين انتهاء فترة الـ«أنا» وابتداء فترة الـ«نحن».

* أستاذ في كلية الهندسة- جامعة الكويت

back to top