زرقاء اليمامة: العمق الإنساني

نشر في 15-02-2008
آخر تحديث 15-02-2008 | 00:00
 الجوهرة القويضي ليس بإمكاننا معالجة أزماتنا ما لم نعِ معنى «الإنسان» وطبيعته، فمثلاً عندما نتحدث عن وجود أزمة سياسية ونرى أن الحل في «الديموقراطية» و«الحرية» و«التعددية» والتداول على السلطة... لن نستطيع تغيير أي شيء ما لم ننفذ إلى عمق «الإنسان».

إننا حين نتحدث عن «الديموقراطية» لا نتحدث عنها كنظرية جميلة إنما نطمح إلى تحقيقها لتتحول إلى واقع عملي وأسلوب في التعامل، ولن يتحقق ذلك بمزيد من القوانين أو تحوير الدساتير أو كثرة المناسبات وأعراس «الديموقراطية» إنما يتحقق ذلك بوعي الأفراد بذواتهم وبمعنى الإنسان، وطبيعته. وبتفعيلها على أرض الواقع.

فليس بإمكان أي سلطة إنتاج مجتمع الديموقراطية والحرية مادام الأفراد يحملون في ذواتهم نزعة استبدادية أو استعلائية أو إقصائية أو تكفيرية أو تآمرية، وماداموا عاجزين عن احتمال بعضهم عند الاختلاف أو الخطأ ومادامت نفوسهم ضعيفة يخشون حتى من إبداء النصح فينقادون إلى التملق والمجاملات ويتعالون على النقد فيعادون من يخالفهم ويضمرون له الأذى ويكابرون بجهلهم فلا يتواضعون لمن هو أعلم منهم.

طبيعة الحياة بما هي تجدد وتغير تقتضي وجوداً دائما لمشاكل، فالمشكل هو ما أشكل من الأمور وهو ما يتطلب النظر والتفكير والبحث عن الحلول بما يحقق رفاه الإنسان وسعادته، وليست المشاكل بالخطر بل هي ضرورية وإيجابية، ولكن الخطر في سوء التعامل معها بحيث تنقلب إلى أزمات أو حين لا يتعامل معها أصلا فتتحول إلى كوارث حقيقية.

كل مجتمعات العالم تشهد مشاكل مختلفة ومتفاوتة التعقيد والفارق هو في طرائق معالجة هذه المشاكل وفي مدى الوعي بها وسرعة الكشف عنها. فوجود المشاكل إذن ليس حالة خاصة بقوم دون قوم، إنما هو حالة إنسانية ضرورية لكي نفكر ونتقدم.

إن الأزمة الحقيقية هي في أن يكون «المثقفون» على هذه الحال من ضعف وتملق ومكابرة زائفة... إنهم يخشون السلطة فلا ينصحون ولا يشيرون إنما يجارونها بهدف احتلابها! وإنهم يخشون العامة ليستمدوا منهم وقاراً زائفاً وليجدوا لديهم التقدير والتبجيل.. إنهم أخطر من الكوارث الطبيعية... لسنا بحاجة إلى المزيد من المنظرين والمتكلمين إنما نحن بحاجة أكيدة إلى ذوات صادقة متدفقة حبا ومندفعة مسؤولية.

إن الحاقدين والمتعصبين والمكابرين وضعاف النفوس لا يقدرون على شيء حتى إن كانوا متعلمين أو ما يصطلح عليهم بـ«مثقفين» وحتى إن كانوا «متدينين» أو «عقلانيين». إننا نفتقر إلى «عقيدة في الإنسان» تؤهلنا لتحمّل المسؤولية واحتمال أخطاء الآخرين في اصطبار ورحابة صدر، فلا ننظر إلى الإنسان على أنه «مستحضر كيماوي» غير قابل للتغير، فنحدد أعداءنا وأصدقاءنا نعادي هؤلاء إلى الأبد ونصادق هؤلاء ما لم يتغيروا ويختلفوا معنا.

إن المسؤولية تقتضي الاقتراب أكثر من مخالفينا نحاورهم ونستمع إليهم توسيعاً لدائرة الالتقاء، وكم نكون سعداء يوم يتحول «خصم» إلى صديق، ليس فقط بفعل تأثيرنا فيه وانضمامه إلينا، بل بفعل تأثرنا به واقترابنا منه، فلماذا يشغل الكثير من المثقفين أنفسهم إما بالدفاع عن السلطة وإما بالكشف عن نرجسيتهم وسلطتهم الأدبية أو الفنية ولا يهتمون بالكشف عن عمق الإنسان وجوهره؟ ولماذا يستعمل «السياسيون» خطاباً متحفزاً نافراً مشحوناً إقصاء وعدائية تجاه المخالفين؟

فـ«الاختلاف» ليس مجرد شعار أخلاقي أو سياسي نكتفي منه بالاستماع إلى الآخرين بل إنه مبدأ معرفي وفلسفي بحيث نستمع إلى الرأي الآخر بهدف الاستفادة منه وإفادته، وإن الحوار ليس مجرد منازلة كلامية نرجو منها الانتصار لرأينا، إنما هو نشاط عقلي وتدافع فكري بحثاً عما يمكن أن يكون أقرب إلى الحقيقة والمصلحة.

إننا بصدد أزمة في عمق «الإنسان»، وإن الذات البشرية لا يمكن أن تكون خاوية، فإذا لم تنشأ على قيم الحياة ومعاني «الوجود» بما هي حرية ومسؤولية ووعي وإبداع وتجدد، فستكون بالتأكيد وعاء لقيم تدميرية.

إن أي سلطة في أي عصر لا تحتاج إلى من يمدحها لأن من بين مهماتها التقليدية الحديث عن إنجازاتها والتعبير عنها بالصوت والصورة والحبر، ولكنها تحتاج من يطرح عليها الأسئلة المنبهة ويقدم لها النصح ويكشف عن بعض النقائص بنية صادقة في الإصلاح.

إن صورة العالم تتشكل ملامحها داخل ذواتنا قبل أن ترتسم خارجنا... وعلى من أراد التخلص من المياه أن يسارع بمعالجة المستنقعات بدل الانشغال بمطاردة المجاري. ومن أراد أن يسعى إلى الأفضل فعليه أن يسعى إلى برامج للأفضل وألا يجمهر بصيحات من دون الفعل، ولكم أكره القول بلا فعل على أرض الواقع!! عندها سيكون القادم أجمل.

وقفة شفافة:

تمر بمخيلتي، أنتزع من نفسي وألبسك، تتموج كل الدنيا بين عينيّ، وأراك نسيجاً ينسج شراييني، أغيّر الاتجاهات، وذكراك تلاحقني كظلي، تغيب شمسي وانتعاشتي، حين أشعر بأني افتقدتك.

back to top