الديوانية تقتل القراءة

نشر في 14-12-2007
آخر تحديث 14-12-2007 | 00:00
 د. عبدالمطلب فيصل البلام

إن التواصل الاجتماعي المستمر من خلال الدواوين يقوّي صلة الرحم ووحدة المجتمع، لكنه بالمقابل، يُضعف العلاقة بين الفرد والكتاب ويجعله اتكالياً في ثقافته على المعلومة المسموعة بدلاً من المقروءة.

لماذا يقرأ أفراد المجتمعات الغربية بصورة أكثر مقارنة بأفراد المجتمعات العربية؟ وما سبب تلك العلاقة القوية بين الكتاب والإنسان لديهم؟ وهل هناك أسباب أخرى لنقص الميل نحو القراءة في مجتمعاتنا، غير تلك التي تتعلق بالتربية والتعود؟

لقد شغلت تلك الأسئلة بعضا من تفكيري وجعلتني أتوصل إلى استنتاجٍ أودّ أن أشارك به القراء، لعل وعسى أن يجد صدى في أوساطهم، ويثير النقاش والتفكير بينهم. هذا الاستنتاج هو أن هناك علاقة بين الحالة الاجتماعية التي يعيشها الفرد ومدى انكبابه على الكتب والقراءة، فكلّما زاد تواصل الإنسان اجتماعياً وكلما زادت حياته الاجتماعية نشاطاً، قلّت الأوقات التي يقضيها مع الكتب وقلّ تواصله معها.

عندما كنت أدرس في الولايات المتحدة، كنت أقتل بعضاً من فائض وقتي من خلال زيارتي ومسامرتي لبعض الأصدقاء الذين أجبرتني الغربة على مصاحبتهم، أما أغلب الوقت، فكنت أقضيه وحيداً في مسكني الخاص، أذاكر دروسي أو أتابع بعض برامج التلفاز المحببة لي. وحشة الغربة وامتداد وقت الفراغ أجبراني على معاشرة صديقٍ خاصٍ مخلصٍ أجده حاضراً وقتما أريده، ذلك الصديق هو الكتاب!!

كنت أخصص بعضاً من وقتي لزيارة المكتبات، فتراني متسكعاً بين أطرافها متصفحاً بعض الكتب المثيرة للجدل في مجالات علم النفس والفلسفة والأحياء والتاريخ والفيزياء المثيرة بالنسبة لي، وكانت أغلبية المعلومات تنتقل إلى عقلي عن طريق النظر.

عندما عدت إلى الكويت عدت إلى الواجبات والأنشطة الاجتماعية، وعدت إلى الديوانيات حيث المعلومة مسموعة لا مقروءة، والترابط الأسري والاجتماعي في بيئة الكويت يحتّم على الفرد أداء بعض من الواجبات والروتينيات الاجتماعية، ذلك الغنى الاجتماعي له ضريبة غالية، تلك الضريبة هي حجب الناس بعيداً عن الكتاب!!

فالرجل الكويتي يعتمد على الأحاديث والنقاشات المسموعة في الدواوين لاكتساب المعلومات والأفكار الجديدة، وهذه الثقافة تؤصّلها بعض شعائر الدين الإسلامي في مجتمعنا، فخطب الجمعة وما بعد صلوات المغرب، ومجالس الحسينيات المنتشرة في البلاد تُعوّد الإنسان في الكويت ومنذ نعومة أظفاره على استقصاء الحقيقة عن طريق الاستماع.

قراءة الكتب هي وسيلة ثانوية غير مباشرة للاجتماع الإنساني، يستخدمها الإنسان لتعويض النقص في الحوار الإنساني المباشر، عندما يمسك الإنسان كتاباً فهو بكل بساطة يفتح قناة مع مؤلف أو معد الكتاب للحوار والاستماع الافتراضي، وكون المرأة أكثر انكباباً على الكتاب في مجتمعنا ما هو إلا دليل على ما أقول.

فالمرأة في الكويت وبحكم القيود الاجتماعية التي تحيط بها، تفتقر إلى الاحتكاك الاجتماعي الدائم الذي يحظى به الرجل الكويتي، اللهم إلا في بعض الأحيان المحدودة التي تحتك فيها بأقاربها وصديقاتها المقربات، فتراها تعوّض هذا النقص عن طريق التقرّب إلى الكتاب الصديق الدائم لها.

إن التقرّب إلى الكتاب والقراءة يحتاج إلى وقت والتزام وعشق، والتواصل الاجتماعي المستمر من خلال الدواوين يقوّي صلة الرحم ووحدة المجتمع، لكنه بالمقابل، يضعف العلاقة بين الفرد والكتاب ويجعله اتكالياً في ثقافته على المعلومة المسموعة بدلا من المقروءة.

نحن في مجتمعاتنا ننتقد المجتمع الغربي على ضعف العلاقات الاجتماعية، لكننا نتجاهل حقيقة أن هذا الضعف هو أحد أهم الأسباب التي أدّت إلى انكباب معظم أفراد مجتمعاتهم على الكتابة والقراءة والبحث وحب الاكتشاف والاختراع، فالإنسان الغربي عوض نقص نشاطه الاجتماعي بزيادة النشاط الثقافي والعلمي.

هذه هي مجرّد نظرية وأرجو أن تثير بعضاً من النقاش بين المثقفين، كما أرجو ألا يكون النقاش صوتياً فقط بل مكتوباً أيضا.

* أستاذ مساعد بكلية الهندسة – جامعة الكويت

back to top