خطاب الأسد والـ «Screen Saver»

نشر في 15-04-2016
آخر تحديث 15-04-2016 | 17:54
 نديم قطيش خطاب بشار الأسد، الرئيس الذي قُدم بوصفه مغرما بالتكنولوجيا يشبه، في عالم الكمبيوتر، الـ «Screen Saver»، التي سرعان ما تختفي، لدى تحريك الفأرة أو الضغط على أي من الأزرار، مفسحـــــة المجال أمام الـ «Wall Paper» وشاشة الكمبيوتر الفعلية. هي مجرد وهم بصري.

مثلها خطاب الأسد، يتيح تحريك معانيه قليلا، اكتشاف أن الرجل يقول شيئا آخر في كل المواقف تقريبا.

فهو إذ يشدد على أولوية «الحفاظ على الأمن والاستقرار» قبل أن يسرد وعوده بالإصلاحات الداخلية التي تشمل قانونا للأحزاب السياسية، يبدو كأنه استعمل الأولى ليجهض الثانية. لدي خطة إصلاح، قال بشار لشعبه، لكن أولوية الأمن والاستقرار قد تؤخرها «بعض الشيء»... لا سيما ان العام الحالي سيكون مصيريا «والأشهر المتبقية ستحدد مصير المنطقة ومستقبلها وربما العالم».

إقليمياً ودولياً، كان الخطاب «Screen Saver» بامتياز لا سيما في ملف السلام.

فالرئيس السوري لم يتحدث عن السلام كخيار استراتيجي، ينطوي على رؤية متكاملة لوظيفة السلام في تغيير العقلية التي حكمت العلاقات السورية - الاسرائيلية والسورية - الفلسطينية والسورية - اللبنانية، وعلاقات سورية بالمنظومة العربية التي صادقت للمرة الثانية على مبادرة السلام العربية. أو في تغيير نوعية اللغة السورية في الحديث عن الدور والمستقبل والتنمية. ولا ينطوي بالطبع على رؤية للوظيفة التغييرية للسلام على مستوى طبيعة النظام القائم على القمع في الداخل والمواجهة في الخارج... أصلاً لم يتحدث عن السلام بقدر ما وظف هذا الملف لإصابة ثلاثة أهداف:

عرْضُ ستاتيكو سوري جديد وتثبيت مفاعيل حرب الصيف الماضي وتبرير الالتحاق بالمشروع الإيراني عبر تظهير استحالة السلام «الذي يحتاج وسيطا نزيها «مقطوعا من الأسواق».

1- سورية غير جاهزة للسلام، كما أنها غير جاهزة للحرب. لذا تحدث الرئيس الاسد عن ضمانات، تليها أقنية، ثم مفاوضات. وبالتالي تحدث عن مسار السلام كآلية. وهو ما يعزز قناعة تترسخ رويداً رويدا أن سورية تريد من السلام، الطريق إليه فقط. أي تريد التفاوض. «فالإطار التفاوضي» المديد، يمنح سورية ستاتيكو جديد، فقدته بالانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان وطردها من بقيته، ويعينها على إدامة تأجيل الاصلاحات السياسية والاقتصادية ويعفيها من تبعات السلام وتحدياته التي ليس أقلها ما يطال طبيعة النظام والدولة كدولة مواجهة... ومحاولاتها الأخيرة لرفع الجهوزية للحرب والتلويح بالمقاومة في الجولان تصطدم بواقع التفوق الإسرائيلي والطبيعة العالمية لأي حرب محتملة مع تل أبيب. هذا الترجح المتعب بين عجزين، العجز عن الحرب والعجز عن السلام، لا يبقي لسورية سوى التفاوض طريقا لتثبيت النظام. واشنطن ترفض هذا الستاتيكو.

2- مدركا هذا الرفض، تعمد الرئيس الأسد إحراج رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود أولمرت بالكشف عن قناة سرية بينهما ليست هي بالطبع واشنطن، التي زارها أولمرت وسمع منها رفضا واضحا لاستئناف مفاوضات السلام مع سورية. في الواقع قلما يكشف رئيس دولة أو زعيم عن قناة تفاوض سرية مع طرف ثان ويكون راغباً في حمايتها. إحراج أولمرت على هذا النحو العلني، وإظهاره متطاولا وملتفا على إدارة الرئيس بوش، في ملف «أميركي» في المنطقة وهو ملف السلام، لا سيما مع سورية، يهدف الى تثبيت مفاعيل حرب يوليو الصيف الماضي. «ها هو رجلكم القوي في الشرق الأوسط يستجدي السلام معنا عبر طرف ثالث بعد أن رفضتم منحه الإذن بالحديث إلينا. رجلكم القوي هزل كثيرا بعد النصر الذي حققناه عليه». هذا تماما ما لم يقله الأسد في الخطاب وقاله بعد يومين خلال استقباله الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد معربا عن «الارتياح الكبير» لـ «الرؤية المشتركة (التي) اثبتت صحتها».

3- أما تزامُن حديث الأسد عن «السلام» مع قمة سورية - إيرانية «ناجحة»، توقع أحمدي نجاد في ختامها ان تكون «حرارة الطقس ساخنة في هذا الصيف وان تقترن بانتصارات متتالية تحققها شعوب المنطقة وباخفاقات متتالية لأعداء المنطقة» الذين هم في طريق «الزوال والانكسار»، وإشارته الى ان دمشق وطهران «تقفان في جبهة متحدة ومتراصة في وجه الاعداء المشتركين»، فيوضح من دون لبس الصفة الذرائعية للحديث عن السلام. إذ أن مشاعر النصر التي تملأ الهواء بين دمشق وطهران، وشعور العاصمة السورية المتعاظم ان بقاء النظام فيها مصلحة إسرائيلية أولا قبل أن تكون مصلحة عربية، بسبب تعميم الانطباع أن البديل هو الفوضى، تجعل الحديث عن السلام ترفا ولغة لا بد منها قبل الحرب المقبلة.

مرة أخرى يبدو الترجح بين العجزين، العجز عن السلام والعجز عن الحرب، متحكما بخيارات دمشق. فأمام إصرار واشنطن على عدم سد العجز السوري عن السلام بمنحها إطارا تفاوضياً مديداً ستلجأ الى إيران لسد العجز عن الحرب بالتحالف مع مشروعها النووي و«المقاومات» حتى الموت او النصر المستحيل.

back to top